أسيرة الطريقــ.. " المُهرّجون "




في الحي القديم قرب ذاك البيت المظلم المهترئ، كانت تلك الطفله مقيده بسلاسل في معصميها اللذان باتا كخزف تم تشكيله بسكين غير حاد ، السلاسل تظهر من شق ضيق بالجدار مرت عليه السنون ولعبت به حتى اندثر ذاك الشق و بقت تلك السلاسل و كأنها ظهرت فجأة من الجدار لتقيد تلك المسكينة، شعرها قذر و ملامحها نقشت عليها الدموع و رسمت طريقها الابدي، تجاعيد امتلأت بالكآبة و اليأس و طعم الملح القاسي جداً ، ذبول جسدها يشهد جلوسها في هذا المكان لأكثر من عامـ، لون بشرتها بات كلون الأرصفه التي تحيطها و تجاورها، مبلله بدموعها و عرقها و دموع السماء، لا تعرف كيف تأكل تلعق أحيانا المياه التي تُسقَى بها الأرصفه و الطرقات مغطاة بقماش أحمر تحول مع مرور الأيام إلى بني داكن قد رماه عليها أحد المهرجين الذين يقومون بعروضهم الساخره في ذات الطريق الذي يأسرها ، والداها كانا غرباء على أهل المدينة و لم يعرفهم أحد ظهروا فجأة و اختفوا فجأة و نسوها ..
أما الماره و أهل المدينة جميعهم يرتعبون منها و من نظراتها .. فلا يجرؤ أحدا على محادثتها أو مساعدتها يقولون " إنها لعنة السماء على الارض !! " ، نست الكلمات فلا تتكلم، منصته فقط و تتأمل ..
حين زارها ذاك المهرج كعادته كل صباح ليلقي عليها التحيه محاولا إضحاكها أو حتى إحياء الروح فيها،
قال " أشهد أن لا عاقلاً في المدينة سواكِ " هو الوحيد الذي يتجرأ على الاقتراب منها و محادثتها، هو الوحيد الذي يشعر بالعطف و الشفقه نحوها لا الخوف و الرهبه،.
في أيامها الأخيرة باتت ممددة على ظهرها كصحراء قاحله ترجو المطر، كأرض هجرها أهلها منذ سنين، لا شئ فيها يتحرك ، يعبر ، لا صوت ، و لا حتى دمع ، كل ما فيها جاف من خصل شعرها حتى قدميها، من يرمقها من بعيد يشاهد جثه قتيله دون نزف و لاتمزيق حتى يقترب منها فيسمع نداء قلبها يتلو الشهادتين ليعلن اللحظات الأخيرة و يودع ألوان الحياة .. يودع غربته، لتحلق روحها حره دون سلاسل إلى بارؤها ،
" لا حول و لا قوة إلا بالله .. البقاء لله " غطاها شيخ جليل بأوراق الصحف كطير مغطى بأوراق الخريف الجافه، كقطة صدمتها سيارة مسرعه، غطاها ... و تابع مسيره إلى المسجد حيث صلاة الفجر.
اقترب المهرج المفجوع بها ليركع أمامها و يقبل رأسها المغطى بأوراق الجرائد، يقبله و يهذي " لماذا استلمتي ؟ لماذا تركتني ؟ كنت ساحضر مطرقه أكبر لأحاول مجددا كسر السلاسل .. كنت سأحتضنك في سكني ... لماذا تركتني و غادرتي ؟ لماذا يا روحي العزيزة ؟ "
قاطعه صراخ أحد المارة " يا أهل المدينة انقضت اللعنه و تلاشت !! أعدوا الكعك .. احتفلوا " أجهشت السماء بالبكاء و أرعدت ، اغتسلت الجثه و مازال كفنها تلك الأوراق المبلله التي تلتصق بها أكثر .. المهرج ينتحب بقربها و قد ذابت ملامحه الملونه، أهل المدينة يتراقصون وسط المطر و يقهقون .، يثرثرون بكلمات لم تعد مفهومه و كانهم فقدوا صوابهم جميعا ، و كأنهم جميعا باتوا مهرجين ، برقت عينا السماء و أرعدت، فأصابت أقرب شجرة، لتشعلها جمرة غضب و قهر، وماهي إلا لحظات حتى تحولت الغابه إلى أتون حي عملاق ليبتلع المدينة و اهلها و يحولهم إلى تراب أسود لوث جمال الارض .




:


انتهت.،
 
Make a Free Website with Yola.