الأحياء هم أبناء عم الموتى ،

و الموتى نيام هادئون وهادئون وهادئون ...




* محمود درويش
 
 
 
 
 

إلى زملائي الموتى قبل انضمامي إليهم يوماً ...

 

لن أسألكم ماهو طعم الموت ؟ وكيف هي رائحة الكفن ؟ ، لن أسألكم كيف أنتم و بماذا
تشعرون ؟ لأني سأعرف الأجوبة كما عرفتموها أنتم .
لكني أريد أن أقول لكم كلمة كنت أتمنى لو قلتها قبل أن تتمدوا على أراضيكم وتنامون.


" أحبكم جميعاً و مازلت ..! "

 

عندما أخبرني والدي إنكِ توفيتِ ، لم أكن مُصدّقة الأمر كنت قد اتخذته بهدوء شديد و صمت أشد ، أتذكر عندما قالي لي بأني يجب أن أكون قرب والدتكِ أواسيها ثم سكت لفترة قلت بعدها بأني لا أملك عباءة ولا يوجد وقت حتى أذهب لشراء واحدة قبل الغد . صدقاً لم أكن على علم لماذا انزلقت تلك الكلمات مني، لماذا كنت أتخذ الأمر بهذا البرود ؟.
وعندما زرت بيتكم ، البيت الذي كنتِ فيه ، كنت أشتم رائحتكِ بالزوايا ، كنت أتغطى بالعباءة الطويلة و أغطي شعري بشال أبيض بينما أتأمل دموع أختكِ المسكينة و احمرار عينيها ، تفتقدكِ بشدة ، و أمكِ التي لا تنفك بالحديث عنكِ كانت مفجوعة بفقدانكِ ، كانت تكرر بأنكِ تحسّنتِ و رغبتِ في التحمم لتتناولي إفطاركِ معهم . وزعوا كُتيّبات كنت أقرؤها و أدعو لكِ ، أدعو لكِ بكثرة ، أمام هذا المشهد علمت بأنكِ لن تعودي ، بأنكِ رحلتِ ، بأن الموت موجود حقيقة ولابد من تجربته يوماً ، بأن الموت وصل إليكِ .

كانوا يتحدثون عن وفاتكِ ، عن لحظات غسيلكِ وتكفينكِ ، كانوا يقولون إنكِ كنتِ جميلة ، كنتِ نقية و نظيفة جداً ، و أنا أغيب عنهم و أصل إليكِ أشعر وقتها وكأني توسّطت قبركِ وبدأت أتسامر معكِ ، كنت وقتها أشتم رائحة التراب ، و أراجع ابتسامتكِ اللطيفة أمامي ، كنتِ جميلة ، كنتِ نقية و طيبة ، كنت أتمنى لو قلت لكِ بأني معجبة بصبركِ ، كنت أتمنى لو أقول لكِ بأن شعركِ في حفل الزفاف كان جميلاً ، رحمكِ الله ، أنا أعلم بأن حسناتكِ بيضاء تسلّيكِ الآن ، أنا أعلم بأنكِ تشتاقين إلينا كما نشتاق لكِ ، وادعِ لنا فنحن في أمسّ الحاجة لدعاؤكِ .


يالله الطيبون يرحلون سريعاً و عن غفلة ..!

 

حين يموت أحدهم ، حين يموتون .. ماذا نفعل بأشياؤهم ؟ ، أتعلم بأن رقم هاتفك مازال موجوداً في قائمة هاتفي ؟ ، أتعلم بأن بريدك الألكتروني مازال موجود في قائمة أصدقائي ؟ ، مالعمل ..؟ ، حين يموتون و يرحلون و نعلم جيداً بأنه لا عودة ، بأنهم ناموا و تركونا ، مالعمل .. ؟ ، أنحترم الموت و نمحي أشياؤهم من عندنا ؟ أم نكن لهم الوفاء و نترك أشياؤهم كما هي ؟ ..

كلما سجلت دخولاً في بريدي و جدت عنوان بريدك هناك فأقول ليرحمه الله ، و أجد بريد الآخرى فأقول .. اللهم كن معها دائماً ...

 

وعندما قالوا أنك رحلت ، أنهم لم يستطيعوا انقاذك ، عندما قالوا بأن الموت فاجأنا جميعاً و غدر بك. عندما قالوا بأن الطيّب اختفى ، توقّفتُ مندهشة، حاولت التقاط التوازن لكني فشلت، كنت صامتة لكني عندما قلت لأختي بأنك رحلت .. توقف صوتي ودمعت عيني ، عند كلمة " مات .. "
كنت قد بكيت ، كنت أجلس على أطراف سريرها أرتجيها أن تنهض ، كنت أقول " الله يخليج قومي .! " أرأيت كم نحبك ؟ أرأيت كم فجعتنا جميعاً برحيلك ؟ ، أجهل إلى هذه الساعه كيف نقلت الخبر، كيف سقطت بين أيدي الأطباء و أنا أبكي " احترق ..! احترق .! هناك في الجزيرة ..! " ، بعضهم قرر يمسح على شعري و الآخر يذكرني بالدعاء لك ، جميع من في غرفة الطوارئ نسوا أمراضهم و ذكروك بالرحمة ، جميعهم التفوا حولي.
كانت ملامحي محتقنة جداً .!
قُل لي ، هل صحيح قتلتكما جنية ؟ ، هل صحيح آذيتم ابنها في تلك المنطقة ؟ ، أم أحاديث الصحف والجرائد صحيح و إن السبب لم يكن سوى شمعة نسيتموها و نمتما ؟! .
أشعر بالخجل لأني لم أعزي والدتك، كانت منهارة ، كان الجميع يعاني انهيار ، الرجال والنساء ، كانوا حين يواسونها يبكون ، كانت عندما تذكرك تردد " حبيبي " . سوادك الذي انتهيت به أنا على علم بأنه بياض الآن في روحك ، لماذا تأثرت كثيراً أنا بموتك لا أعلم ، جل ما أعلمه باني أخاف الحريق و أنت انتهيت متفحماً ، و إني أخاف النهاية و أنت مُت فجأة . لم أعد كما تعرفني قد تغيرت ملامحي ، خسرت وزناُ ، ولم تجف ملامحي بعد.

وأنت طيب و الأخ الأوسط في عائلتك ، رحمك الله ، هل يكون موتي مفاجئاً كموتك مادمت مثلك ؟!

 

في آخر مرة تلاقينا بها ، كنتِ تحدثيني عن الهم و آلامه ، و حزني الذي يسكن كلماتي ، كنتِ تحدثيني عن التشابه بيننا ، لم أكن أفهم .. لم أكن على علم بأنها المرة الأخيرة التي سنلتقي بها . لم أكن أشعر بأنكِ ستودعيني إلى المطار فالرحلة الأخيرة . كنتِ تقولين بأنكِ تشعرين بسخافة خفة دمك و النكت التي تطلقينها ، كنتِ تقولين بأني أتحدث عنكِ في كل شئ . كنت أشعر بالحزن ، أتأملكِ طويلاً منتظرة أن تزول غيمة سوداء على روحكِ . لكني لم أكتشف أبداً بأنكِ مسكونة بحزن خبيث ، و إنكِ تحاولين جاهدة التخلص منه في رحلة علاج ، كنت أهوّن عليكِ - يالغبائي ! - بقولي إنه عبور فقط مابين فترة التعرض للتخدير و التخلص منه و ستجدين الدنيا جديدة . كنت أشرح لكِ تجربتي ( أين أنا و أين أنتِ ) ، إلى أن قلتي " يقولون الكيماوي يطيّح الشعر ..! " ، هل انصدمت ؟ هل قتلتني ألف مرة ؟ هل بدأت أشكّ بالنحس الذي أجلبه لأحبائي معي ؟ ، أهوّن عليكِ كثيراً ، أطبطب على كتفكِ كثيراً ، أبتسم أحاول أن أسرق ابتسامة منكِ ، و دمعي بات يسيل دون شعور على خدي ، كنتِ هادئة جداّ مستسلمة للقدر ، كنتِ أكثر من هادئة .. كنتِ منقادة لأمر مجهول ...
و الآن أين أنتِ ؟ ، ماذا حل بطائرتكِ ألن تنتظركِ في مطار لندن ؟ ، كيف أصبحتِ ؟ . هل تشعرين بارتياح ؟ هل أحباؤكِ حولكِ .؟ ، أين أنتِ ؟ شوارع الكويت ماتت من بعدكِ . و كلمتكِ الأخيرة تنتظركِ حين قلتِ " حللوني ! يمكن أرجع و يمكن لا " . آه ، آه ، آه .. لماذا علينا الوقوف جيداً أمام النهايات ؟ لماذا علينا أن نكون أقوياء و نتماسك ؟ ، كسرتي عودي ، أين أنتِ ؟ قولي أين أنتِ ؟ ...

أحياناً يراودني جنون .. يراودني إحساس بالرغبة في الاتصال على هاتف شخص ميت لأطمئن ... أطمئن ؟ ... لا أدري ...

 

الأموات هم مؤسسي الكوميديا من الطراز الأول .

 

كُنتَ في كل مرة يحدث بها صِدام ما تدافع عني ، كنت كالأخ الذي افتقدته ، كنت الأفضل في نظري ، غبت أياماً عدة و غاب فيها جسدك و كلماتك و روحك و من ثم عدت على ألسنتهم حين قالوا " رحمه الله " ، أأقول بأني صُدِمتُ وقتها ؟ ، أأقول بأني افتقدت أيام أحاديثنا ؟ .. أذكر كثيراً حين قلت لي " أفتقد مشاعري .. بدأت أتعامل مع أي شي ببرود ، لم أعد أتأثر ! "
وحين قلت لي " أنا أفهم ما تكتبين جيداً ، أنتِ حساسة جداً و تكتمين أحاسيسك بقوة و لا تنثريها سوى بكلمات ". وحين كنت تقول " يا هناء من ستكوني زوجته " . ، في لحظة واحدة دارت أحاديثنا كلها حولي لتطوقني ، رحلت . لم أتصور يوماً أن يأتي يوماً وترحل به هكذا إلى الأبد ، من الصعب جداً أن نفهم بأن من نحدثهم مباشرة سيموتون يوماً و سنفقدهم ، من الصعب أن نفهم بأن تلك الأصوات ستدفن تحت الأرض و نحن نستمر نسير فوقها ، مازلت أتذكر حين قلت لي صباحاً أن شعرت بالجوع فتناولت " باجلاً " من الثلاجة ثم عقّبت بعدها بأنك شاب - دقّة قديمة - ! أتذكر ؟ الباجيلا ؟ النخي ؟ الخبز الإيراني ؟.

أنا أعلم جيداً بأنك مرتاح في أرضك، لأن أحباؤك كثر و صلّوا لك كثيراً ،
لأن طيبتك مازالت يافعه لم تشيخ ، و أعلم جيداً بأنك لم تخف الموت .. و لم تشعر بالرهبة حين سمعت خطواتهم تبتعد عنك.

حزينة أنا لفقدانك كالأرض التي ابتلعتك وهي تبكي .



أهديتني يوماً أغنية لآدم " كيفك أنت " ، ولم أكن على علم بأني سأتذكرك نيّتك الصافية جداً بها ..



اللهم ارحمه


وعرفت من بعد غيابكم ، ماوجه الشبه بين اللحد و حضن الأم ..

 


أمانة يا أرض عليكِ أن تبتلعي ما أوقعتِ عليه يديكِ ..
برفق ..
و أن تلوني باطنيّكِ بطيبه و بياضه ..
أمانة يا أرض أن تعترفي بحقّه عليكِ
أن تحتفظي ببركاته في زواياكِ
أن تشكريه على صفاءه ..
أمانة عليكِ ..

هذه البركة تنقص منكِ يا دنيا
و ذرات الهواء تتناقص منا
هو كان هنا
كان يلمع كالسنا
هو كان هنا ، بروحه التي تتسابق عليها الزهور
تنافس بصبرها أقوى العصور
واختفى ..
خطفته مننا ..
كيف للنور يعود دونه ؟
كيف نبقى بعده ؟
كيف يزول الحزن .. و تعود النجوم للفضا ..
كيف للقمر أن يخاطب السما ؟


كالمرايا ..
يشبهني ..
كاللوحة الجميلة التي أتأملها مطولاً ..
فأكتشف بداخلي ملامحي ..
أحاديثه تطيّرني مع السحب ،
تلك السحب التي تتلون بألوان الروح
تستحي أمامها الجروح
مبدع هو بعيد جداً لا يكتشفه أحد
كالذهب
ينام فوق رأس جبل شامخ
و يصحو مع صوت ناي ..
لا أحد يفهم الآخر دون صوت و حديث
و هو يخاطبنا بالنور
ليس أي أحد أمامه يتقن العبور ..


 

 

 

 

" قُل لي كيف مُت ، أقُل لك كيف كنت "

 

 

 

متى يكون الموت عاملاً مُشاركاً في الحياة الزوجية ؟! ..
عندما ينام بحضنه زوجان في ليلة عيد زواجهم ...!!

 

 

و مكانك مازال موجوداً ، توقّعت أن تموت .. لأنك كبير بالسن ، فكل شخص كبير بالسن يعتقد الآخرون بأنهم استهلك عمراً كافياً و أن موته متوقع. كل شخص كبير يعتقد الآخرون بأنه يبدأ بمصاحبة الموت تدريجياً حتى يكون يوماً من أصدقاؤه المفضلين لدرجة يقنعه بأن الرحيل معه أفضل من هذه الدنيا.
قُل لي : ماذا ترى ؟ ، هل تشعر بأن أبناؤك يتعاركون حول الورث ؟ ، هل تدري بأن أمهم لم تعد تُبصر سوى القليل ؟ .
قُل لي : كيف هو ملمس الكفن على تجاعيدك العتيقة ؟، وهل يعجبك طعم التراب في هذه الأرض أم كنت ترغب في أن تتمدد تحت أتربة تلك الجزيرة ؟ .
لطالما سمّيتك " الشيخ و البحر " .. لأني أراك تشبهه ..
هاهو مكانك في غرفة الجلوس لا يقربه أحد . و عصاك تنام وحيدة . مخيف مكانك وحده وكأنه فوهه توصلنا بك. لا أحد يستطيع الاقتراب من
مكانك المفضل حيث رأس غرفة الجلوس تحت تلك اللوحة ، حيث تجلس و يزورك الكبار و الصغار يقبّلون رأسك الطاهر ثم يسامرونك و يغادرون .
بالمناسبة ، أعتذر لأني طبعت بعض من أحمر شفاهي على رأسك حين عايدتك في أول أيام العيد . لكني مازلت سعيدة بأني حظيت بشرف تقبيل رأس حكيم نادر هذه الأيام قبل أن ينقضي .

توقف قلبك على مهل في الثانية فجراً . وصمت .... ثم عاد للحياة بعد
3 دقائق تجريبية خارج الزمن ، تٌرى ، ماذا حدث ؟ ، أتأخر ملاك الموت عن موعده ؟ ، ألم ترى طريقك ؟ ، كيف يتوقف قلب دون أن يكون في قبضة ملك الموت ؟ ، و تعود تلك الأجهزة و طنينها لتشير بالحياة .. لكنك تعلم جيداً بأنه موتك .. بأنه وداع .. بأنها نهاية ...
و في الخامسة فجراً .. أغمضت عيناك ..


أنت الوحيد الذي حين وصل لي خبر وفاته لم أبكِ كثيراً ، ربما لأني كنت في العمل . تتصل الوالدة فتخبرني برحيلك ، بالقرار النهائي ، و أنا بيد أمسك بها الهاتف و أخرى أمسك بها الفاكس . قرب جنبي الأيمن ذاك الزميل يتأمل نظرتي ، و قرب جنبي الأيسر نافذة يطل منها بحر .. ورطة!
خفت أن ألتفت للزميل فيجد شيئاً و خفت أن ألتفت للبحر فأجد شئ مالح ..



اللهم ارحمه ..

 

 

دود الأرض ينتظر الأجساد الصالحة لتعيد له صحته ..

 

 

و إن مت يوماً ، هل سيتحلل جسدي و يغدو تراباً من جديد ؟ ، هل سيمتزج جسدي مع تراب الأرض ؟ و هل سيُترَك هكذا للهواء و الحشرات ؟ أم ستنمو بين ذراته نبتة ؟ و هل سيُسقى مع مرور الوقت أم يضل عطشاً ؟ ..
و إن مت يوماً ، هل سيعود جسدي على هيئة بيت طين ؟ ، تمثال خزفي ؟
نبتة قصيرة ؟ ، أم ستهرسه الأقدام ؟ أم سيضل بقعة رطبة يلتصق بها الدود و الأعشاب الميتة من كل جانب ؟ ..

 

هل تُسمّى الدموع التي تنساب على رحيل روح .. حزن ؟!
و هل تُسمّى الذكريات التي تُنوح قرب الوسائد ليلاً .. فقد ؟!
و هل يعني إن عشقنا حفظ كلمات كتبها موتى .. بأن الموت يحذبنا ؟! ..


هل كُنتُ أتخيل يوماً أن من حولي من الأصدقاء سيتركوني و يفترشون
التراب إلى الأبد ؟! ، هل كنتُ أتخيل بأن هؤلاء سيتركون في حضني
أصواتهم ، كلماتهم ، أشعارهم ، قلوبهم و يلتحفون البياض ؟! ..
هل كنتُ سأتخيل بأنهم سيرضون بصداقة دواب الأرض عِوضاً عني ؟! ..


تمددوا على ظهوركم و ابتسموا فقد تخلّصتم منها .. و سّلمتم الأمانة ..
سيأتي يوماً لأتمدد قربكم .. فاحفظوا لي مكاناً ..

 

 



تفضّلي سيدتي .. طبقكِ المفضل جاهز .. عفواً سيّدتي تركت لكِ
التوابل والملح لإضافتهم حسب الرغبة .

 

 

يأتي دوركم .. فتنامون أخيراً .. أو ، ربما تفيقون من هذا الحلم .. من يدري ..
تتمدد أجسادكم تودّعنا ، و أرواحكم حلّقت بعيداً .. الأرواح لا تحب التوديع
و الموت لا ينتظر .
نغسل أعضاؤكم و نطيّبها بعدما كُنتم تفعلون . و الآن ، لأنكم لا تملكون حول و لا قوة . فها نحن نفعل .
حين يموت هذا البدن . حين تتوقف الأعضاء . حين ترحل الروح .. كُل شئ يبدو ساكناً . كل شئ يعود جماد .
الظالم يدعونا لتأمل ميتته . كيف كان و كيف أصبح ، و الطيب يدعونا لأن نبكي على ميتته . صورة الموت رهيبة مخيفة ، فكيف إذا الموت نفسه ؟!.

لا أحد يعرف الغياب سوى الموتى ، لا أحد له الحق في وصف الغياب سوى الموتى.
كل شخص على هذه الأرض سيعود جماد . سيسكن فجأة جسده و يسقط . جميعاً من طين . و إلى الطين سنعود ، لذا ، بدوت أحرص بشدة أن أتشبث بالفرص . بكل الفرص .
فهؤلاء الأشخاص ينابيع علينا أن نشرب منها قبل أن تجف و نرويها بقدر استطاعتنا حتى تموت مُزهرة .

 

 

قالوا قبل موتهم :


" شفيج ساكته ؟! إذا ماتكلمتي ياكلونج ..! "


" انتي طيبة وايد و ما أسمح لأي أحد يتكلم عنج ! "


" خايفه يتغير شكلي مع العلاج .. "



" فرحانة وايد لأني عرفتج . و إذا مارجعت .. ادعيلي أو اتصلي
على هالرقم ...... "

 

 

*
حين يكون الموت ..
يكون الطقس بارد جداً .. و الجسد خفيف الوزن ..


*
الموت يقهر الأحباب . يأخذ منهم أعزاؤهم دون عودة .. و دون تنبيه .. و دون قرار منهم ..
و يقام بعدها مجلس أ " عزاء " لمدة 3 أيام ..

 

 




هادئون ..
تحت التراب .
لا ، من حولهم التراب
و الهواء في أجسادهم قد اختفى
يحتضنهم التراب
و النبض لم يعد ليحيا معنا
أغمضوا أعينهم
يقترب منهم سحاب
و الجماد أمامهم يحيا ..
هادئون ..
حُفاة إلا من نجوم مُعلقة
كتيجانٍ مبتسمة فوق رؤوسهم
و صلوات نصليها حين نذكرهم
هادئون ..
هم فقط من يعلمون
كيف تكون الحياة قصيرة
أقصر من جناح حشرة صغيرة ..

Make a Free Website with Yola.