الصمت الحرام

 


أشعر بالرغبة في البكاء ، أحيانا كثيرة حين تغص حناجرنا في المشاعر لا يسعنا سوى أن نصمت . ذاك الصمت الذي يغذي في رحمه دموع حارقة تمنعنا من ابتلاع أنفاسنا بسهولة ، الصمت مواجهة بين العقل والروح والنفس، مواجهة بين الحلم والواقع .
حاولت أن أجعله يوماً يضحكني لكن لا جدوى ، في كل مرة أتوحد بها معه ما يلبث أن يبكيني ، هو والصمت أعداء، حين يحدثني دائما ما يطلب مني الإجابة لتفجير المكان بالحروف ، بينما أنا أتوه بصمتي جاهلة طريق العودة لإرضاؤه و إرضائي ، أعلم جيداً بأن صمتك أمام الآخر يعني أنك تعتبره غريب ، لكن ما حيلتي و أنا التي ولدت وفي حلقي توقفت ملعقة صامتة كجرس؟ ، أحاول أن أوضح له بأنه أغلى ما أملك ، بأنه حياتي التي حصلت عليها أخيراً . لكني لا أستطيع ذلك ولا أقوى على الحديث الكثير، ابتَعَد عني ، تركني ، صرف نظره عني واعتقد بذلك بأنه يريح نفسه ويريحني . يجهل بأنه أماتني قهراً وأحياني صراخ يدوي ، حبّهُ يجرفني إليه في كل حين و صمتي وعزة نفسي أمام حدودي توقفني.
معجبة أنا به جداً ، لدرجة تجعلني أنجذب إليه ، تسكنني أحاديثه ، خفة دمه ، أتذكر دائما صوته ، حركة يديه حين يتحدث ، نظرته إليه ، فجأة وجدتني أشتاق إلى أشياء عدة منه ، فجأة وجدتني أتذكر تفاصيل دقيقة منه لم ألحظها مسبقاً ، أحلم كثيراً لو يكون زوجي و أكون زوجته فيتلاشى حلمي ، حتماً هو لا يفكر بالزواج من تمثال.
قاطعت تفكيري صديقتي اللبنانية وهي تقف أمامي قائلة : " يا ألله شو هالصمت ؟ ليه ما بتحكي ؟ " ، كنت وقتها في العمل . حيث أعمل في قسم البريد في إدارة الجمارك ، كنت أفتش الطرود البريدية القادمة للبلاد ، وإن كانت تحمل ممنوعات تستحق الإتلاف ، كمرة مثلاً حين وصل طرد بريدي لأحد الجنود بمناسبة عيدالميلاد وعندما فتحته أمامه وجدته يحوي زجاجات خمر مما استدعاني للاستعانة بالمفتش الجمركي الذي قام بدوره بكسر الزجاجات في دورة المياه ، يومها كنت أعاني غثيان حاد لازمني ليومين تقريباً .


" شو وينو صوتك ؟ "
وتلك الكلمات التي تحثني بها على الحديث، لكني لا أتحدث وأكتفي بالنظر إليها داعيتها لتغيير اتجاه الموضوع، صديقتي هذه اسمها – سمية – تزوجت مرتان ، لا أعرف لِمَ ؟ ، فهي لم تخبرني وخجلت من أن أسألها ، فهناك جروح مفترسة إن داعبتها وهي غافية لربما تصحو وتقلب ماضيك وحاضرك ومستقبلك ، ما أعرفه بأنها متزوجة منذ 10 سنوات ولم ترزق بأطفال ، غادرت لبنان منذ سنوات عدة ، فكانت خارجها عندما انسحبت القوات الإسرائيلية من الجنوب و عندما اغتيل رفيق الحريري و.. و .. ، مرّت عليها أحداث عدة تتابعها فقط عبر شاشة التلفزيون أو عبر الهاتف ، تبكي أحيانا و تفكر أحيانا و أحيانا تدعو وتصلي ، رغم أزماتها تلك كانت في العمل تبتسم دائما وتضحك ، تتحرك بنشاط غير مصرحة أبداَ بما يخنقها ، كنت في كل مرة أتمنى أن أسألها " كيف تريدين مني عبور حاجز صمت لم تعبريه أنتِ ؟ " لكني أتوقف لأني أهاب الملامح الرطبة.

Make a Free Website with Yola.