لماذا أسمع أصوات أطفال الجيران؟ يفترض إني مت. أو بالأحرى انتحرت .
صباحي كان يختنق بجثث الفقراء والمعذبين المرميه بفاه الأرض الرطبه بالدموع، ملامح جامدة وبرودة تفتك بالعظام. يعتصرني ظلم مازال ينبش بين أجزائي عن حلقات النور. لم أتناول إفطاري، أنا التي ومهما تأخرت عن عملها أو موعدها تأخذ معها كوب الحليب. اليوم كنت خارج جسدي ولم أهتم لشئ. غيبوبه والضباب يملأ البلاد، لون رمادي ينثّه السواد الذي يسكنني، نجدتي بعملي لم تضخ الدم في زواياي بل على العكس، هشّمَت رأسي، مكثت قرابة الساعتين أو الثلاث وأنا ابتسم قسراً ، أتحرك، أتصل .. نعم أتصل و أبحث عن سبيل لتنفس هواء منعش، قمت بما علي إنجازه، وقبل أن أبدأ بعمل جديد، استأذنت مبرره نسياني لدوائي في المنزل. " ساعة وراجعه " ساعة فقط تكفي لاقناعنا بالتخلص من تلك الشرائط الملونة الخانقة، غادرت، ذرفت دموعي حين تخطيت الباب الخارجي إلى المواقف مباشرة، ومنها إلى السيارة، برد الصباح لا يرحم. ودموعي وجدت طريقها ولم تقتنع بالعدول عنه. غطيت ملامحي بكفاي حرصاً على التقاطهم في لحظة الذوبان. وأجهشت بالبكاء، لم أعد أنتحب. بل أجهشت،
مابين الدمعة و الأخرى كانت رعشة، ومابين النبضه والأخرى ارتسمت شهقة عميقه.

أتصل مرة أخرى أحاول البحث عن مسعف. ومرات عدة أخطط لكسر هاتفي النقال. غادرت موقفي إلى الشارع الرئيسي. حيث أخبئ دموعي بكفي الأيسر في كل إشارة مروريه حمراء تصادفني. أجهل ما أنا فاعله، كل ما أعلمه بأني أجمع شتاتي حتى لا تنتثر فضائحي، توقفت
أمام تلك الحديقة. تحول بكائي إلى شهقاتي متتاليه.

في صباح باكر كهذا، لا تأنس الحديقة سوى بمرور العاملين بها والعصافير ..... وأنا...
اتصلت مرة أخرى .. لا جدوى، علمت أنه فنائي، ارتديت حمقي وجنوني واتصلت مجدداً .. لا حياة ، رميت بهاتفي قربي وفتحت الراديو باحثه عن نافذة تنعشني ، لم أجد شيئاً. أقفلته، كم تمنيت لو كنت مكانه و أقفلت النبضات التي تصر على إبقائي رطبه، تزاحم الآلام حولي جعلني كحقيبه تكدست بها الأشياء المزعجة ومازال صاحبها يدس بها مايرغب جاهلا بأنها تتمزق في جهات أخرى. حلف أهل الأرض جميعاً على رمي همومهم في سلة للمهملات تسمى " أنا "
في وقت واحد. أما عبر البريد الألكتروني أو الاتصال أو الرسائل القصيرة ...وأنا بأقصى حدود ضعفي وجنوني أصرخ " بس ... بس ! " أيناجي أحدا ربه بهذا الشكل؟ ، أيقول أحداً لآخر يشتكي له " عيشتني بحالة قرف " ؟ أما أنا فقلت .

كما مزّقت نفسي اليوم وفي هذه الحالة بينما ينتظر رئيسي بالعمل عودتي . تذكرتها تلك التي مزقتني شكواها، اتصلت بها وأنا أغتسل بنبع مالح أشهق بخاره، رغم إني فقدت الأمل بإجابتها وتوقعت أن العالم أجمع مات في هذا اليوم. إلا أنها أجابت وسمعت إنهياري.. ضَحِكتُ بهدوء بتلك النبرات المملوءة بالبحه قلت " تدرين أنا وين " ؟ - هازئه بنفسي - ..
فزِعَت .. وربما طرأ عليها ألف مكان ومكان ... " أنا بالحديقة " ...
سألتني " شتسوين ؟ "
" زين ليش تبجين ؟ "
أزعجتها بشهقاتي. وصوتي المرتعش الهامس، طالبتني بزيارتها الآن لأهدأ و أعود للعمل .
رفضت وبشدة. يزعجني جداً مشاهدة أحد ما لي وأنا بهذه الصورة.

عاد جنوني يتدفق بي، فغادرت الحديقة إلى الدكتور الذي طالبته بمنوّم وأنا التي أقصد " مهدئ " . منحني منوماً ذو تأثير خفيف. تناولته على شكل مجموعة حبوب في السيارة وغادرت إلى المنزل..
أغلقت هاتفي النقال ورميت بنفسي على السرير قائله بإنهاك " ياربي ساعدني . إني عبثت بيومي " .. و مُت ..
لا أعلم كم من المدة قضيت في عالم الموت لكني أعلم بأني عدت حين سمعت صراخ الأطفال ولعبهم عبر نافذتي المطله على بيت الجيران ...

Make a Free Website with Yola.