الحي الغافي .


في هذا الحي كان يعيش " شاهين " شاب
طموح طيب القلب ، مرح ،محب للحياة ... يقارب عمره الـ 31 عاما .
كان يعيش في حيينا هذا وحيدا في منزله حيث انه يعمل طبيبا و هذا
المنزل أقرب لعيادته .. تعرف يوما و عن طريق الصدفة على " لميس " فتاة في الـ 20 من عمرها
... جميلة ...رقيقة ...نشيطة ، أصبحا أصدقاء مع مرور الوقت فباتت تلاقيه كل يوم تقريبا يتناقشون و يمرحون و يتحدثون ثم يغادر كل  منهم إلى عمله ...لكن " شاهين " دون أن يعلم و بدون سابق إنذار
...أحبها ...و هام في حبها ..بات يتخيلها أينما ذهب و يشتاق إليها لمجرد غيابه دقيقة .... بات يحدث الدنيا عنها و يتقصى أخبارها دون أن تشعر بأنه يهتم بها ، ربما تتساءلون لماذا لا يعترف لها بحبه ؟؟ وذلك لانه شك في ان ترفضه
و السبب عمره و عمرها و الفارق بينهما .
عانى " شاهين " أياما و شهور و هو يفكر بها و مازالت تعامله كصديقها الصدوق الوفي لدرجة بأنها مجرد قيامها بشئ ما تذهب لملاقاته و محادثته عنه ..و بعد أيام فكر شاهين بالحل الذي يبعده عنها حتى لا يعذبها و يعذب نفسه فوجد ان السفر بعيدا عن الحي الغافي هو الحل
.... و دون ان يخبرها بالامر أعد حقيبته استعدادا للرحيل و ..
رحل ....
في اليوم التالي ذهبت " لميس " لمكان لقائهما كالعادة حتى تتحدث
معه عن ما هو جديد فلم تجده ...فذهبت تطرق باب منزله فأخبرها المؤجر " صاحب البيت" بان " شاهين " غادر ...
انشق قلبها نصفين .. تقطرت الدموع من مقلتيها ...تساءلت : لماذا ؟؟ لماذا يتركني و يرحل ؟ ألم أعد صديقته العزيزة ؟ألم أعد الحنونة ؟
لقد كان بالنسبة لي وطن ...احتمي فيه كان صديقي الاول و الاخير  ماذا حدث ؟؟ لماذا غادر دون ان يخبرني ؟؟ أين انت يا " شاهين " ؟؟ لماذا تركتني بعدما تعلقت بك ؟؟ عادت تخطو خطواتها عائدة و حزينة متألمة متساءلة كيف ستعيش لغد
دون ان ترى " شاهين " ؟ نصف قلبها الاخر ؟ احتضنت والدتها و بكت و قالت في سرها : ( لو كان يعلم فقط بأني
أحبه !! )

::
::

أصبحت " لميس " تتخبط في الهوى ، يوما تسقط و آخر تقف على قدميها .. و " شاهين " المغرم بات حزين .. يملؤه الحنين ..يبكي طول السنين . و يندم على قراره السريعيتذكر حبيبته و صورتها لم تغب عن ذاكرته ..
يتمنى ان يراها امامه تنور حياته ..فكر أن يعود ... و كمااتخذ قراره السابق السريع ..اتخذ هذاالقرار ليرمم ما قام بهدمه ..

حزم أمتعته و عاد للحي الغافي ..و بكل شوق و لهفة طرق على بابها  الغالي ..فتحت له والدتها قالت له و الحزن يملؤ فؤادها الكبير : ( ماتت " لميس " عشقا بك وطارت روحها إليك و تركتها دون حياة يا
"شاهين " ) ، صفع نفسه و عيناه تغرورقان بالدمع : ( إنه القرار
اللئيم .. إنه القرار اللئيم ! ) هزت الام رأسها بألم ..
تساءل : ( أين أجدها بعد طول تلك السنين ؟ )
الام : ( تجدها في منزل زوجها الذي أجبرها عمها على الزواج به بعد
أن شعر بانها تقع في بحر العشق و الهوى ، لكنها مازات تسكن الحي )
!!

جرى " شاهين " نادما إلى منزلها و دموعه تفضح ألمه المكنون .. يجر خطواته خلفه كما كان يتجه لتنفيذ حكم المعدوم .
هاهو يقف على باب حبيبته التي رفض أن يبوح لها بحبه المجنون .. هاهو امام بابها يتخيل شكلها بعد سنين .. مازالت حنونة ؟
مازالت سعيدة ؟ كيف و قد كعنتها و هي غافلة بالسكين !! مازالت جميلة ؟... لربما سيفتح لي إبنها الكبير .. المثقف العاقل ..طيب القلب كقلبها
....أو ربما تذهب لاستدعائها طفلتها ذات الجدائل الطويلة...
و العينان الكبيرتان كعينيها .. او ربما يفتح لي الباب .. زوجها ..عندها ساتمنى لو تنشق الارض
و تبتلعني قبل أن أسمعه يناديها بـ " حبيبتي "
إلى متى أقف هنا ؟ سأقرع الجرس ..لا! ليس الان ! .... لحظة ! لتهدأ دقات قلبي .. لتتوقف يدي عن الارتعاش ...لاستعيد انفاسي ... لماذا أشعر بموجة حر ؟؟ و كأنني احترق .. رغم أن الهواء بارد و الجو ممطر ...
و إن فتحت الباب ..ماذا سأقول ؟ بماذا سأبدأ ؟ هل سأبتسم ؟... لماذا أنا هنا ؟ لاهدم حياتها ؟؟ حتما هي الان سعيدة مع عائلتها .. لا .. إنني أتراجع ! إلى متى لن أخبرها إني عدت ؟ و إذا أخبرتها هل ستعود لي ؟ هراء !! لا ... لا لقد أخطأت في القدوم إلى هنا ..
سأعود ..!


تراجع بضع خطوات إلى الخلف ..لكنه مالبث أن أدار ظهره ليعود
.....حتى فُتح الباب ...


::
::

ناداه صوتا رقيقا : هل انت الطارق ؟ التفت و إذا بها الحسناء .. الطيبة .. الجميلة ..الرائعة و إذا بها "لميس " الحبيبة ! نظرت إليه
و كانها تحاول ان تتذكر من هو ؟ أين رأت ذلك الوجه ؟ تلك النظرات ؟؟  جاوبها و قلبه يخفق بشده و يداه ترتجفان و صوته يرفض ان يصرخ بالكلمات ..:" نعم ! انا الطارق "
، تنتظره يقول ما أتى من أجله ... تنتظره يبرر وقوفه الطويل عند بابها ... قدومه إلى بيتها
و الجو ممطر ... حاول البوح و نطق الكلمات التي تغص بداخله :" أ ... أن.....أ..أنا!! ....انا.."
قالت له :" هل تشعر بالبرد ؟ تفضل إلى الداخل ..لقد أطلت الوقوف في المطر ..."
ماذا ؟ سيدخل بيتها ؟ كيف ؟ كيف ستساعده خطواته ؟ و زوجها ؟ و أطفالها ؟ ...،دخل إلى
بيتها و جلس بقرب المدفأة وبينما هي تعد له بعض القهوة بعد ان غطته بلحاف ثقيل ...
أحس بأنه يختنق و كأنه يرغب بأن يصرخ " يكفي !! هذا كثير !!" تقطرت دمعه من عينيه مسحها بسرعة قبل أن تلمحها ..
و "لميس " كذلك ..! كانت تشعر بشعور غريب ... تعمدت تطيل صنع القهوة حتى لا تنظر له
و تحدثه فقد كانت تشعر بأنها مشتاقة لهذا الوجه و كأنها تعرف هذه النظرات و قد بادلتها الحديث يوما ... تفكر بهدوء :"لماذا أشعر بذلك ؟؟ هل أعرفه ؟ ياإلهي من يكون ؟" ...
احضرت له القهوة و بدأ يرتشفها بهدوء ... سألته وهي تتجنب نظراته بتاملها للمطر من خلال النافذة المجاورة للمدفأة ...:" لم تقل لماذا طرقت الباب ؟" وضع كوب القهوة جانبا و نهض ليغادر هاربا مرة أخرى من الواقع و المواجهة فقال وهو يبعد نظراته عنها :"لقد كنت أبحث عن حبيبتي ! لقد قالوا لي إنها تسكن هذا الحي " تساءلت " لميس " و كأنها استبعدت النقطة الاولى في محاولة تذكره " حبيبته !! " سألته و هو يهم في المغادرة " " لم تقل أسمها لعلي أساعدك ؟؟"
التفت عليها و تأملها بتردد نطق بإسمها وغادر مسرعا ... انصدمت " لميس" و اندهشت ....
من ؟؟ معقولة الحبيب ؟؟ لا ! إنه غادر من دون رجعة ! هل يمكن ان يكون قلبي قد عاد لي
من جديد ؟؟ بعد تلك السنين ؟؟ مستحيل مستحيل ...!
عادت لغرفتها وهي تتذكر كيف نطقها وغادر :"لميس ! " ....


:::
:::


في مساء اليوم التالي بينما كانت والده "لميس " تخيط في ماكينه خياطتها الذهبية القديمة ... كان " شاهين " يجلس بقربها و يحكي لها
كيف كان لقاؤه البارحه بـ"لميس " ..
فقالت الوالدة : ( إن كنت تحبها بصدق فاتركها لزوجها و بيتها !
و لا تحطمها أكثر مما حطمتها من قبل ) هز رأسه بالرفض و كأنه يحدث نفسه قائلا : ( استحاله !!!! ) قالت له والدتها : ( بني انا أعـ..)
قاطعها دخول " لميس " إلى غرفه الجلوس وهي تقول : ( مساء الخير أمي ) عندها نهض " شاهين " والدهشه تسيطر على نظراته ...
و عادت دقات قلبه لخذلانه من جديد فالتفتت " لميس " إليه لتقول له : ( انت ؟؟ الم تطرق بابي البارحة ؟) "شاهين " : (بـ.. بلى فعلت ! )
قالت والدتها : ( هذا يكفي " لميس " انت تعرفين من هذا الشخص  هذا الشخص كان صديقك و حبيبك يوما و تركك لسبب يعلمه هو و الان ...
عاد ) ملأت الصدمة روح " لميس "اغرورقت عيناها بالدموع : ( " شاهين "؟! أأنت " شاهين " ؟؟ !
رمتها الصدمة على الاريكة لتجلس مندهشه نظراتها تشق أعماق الارض تبحث عن جواب .....
انسحبت والدتها بهدوء و هي تقول : ( تحتاجان لكوبا عصير ) !
بات " شاهين " غير مدرك مايحدث له في هذه اللحظات ..يراقب القمر عبر
النافذة و كأنه يطلب منه المساعده في هذا الموقف الحاسم .......


:::
:::


قالت " لميس " بهدوء و قد مازالت تراقب الارض في كلماتها : ( لماذا رحلت ؟ لماذا تركتني فجاة ؟ ) قال : ( كنت خائف ) قالت : ( مم ؟) قال : ( من كل شئ ! منكي ! من نفسي ..من البشر .. من الايام من كل شئ !! ) سألته : ( لماذا لم تصارحني بشعورك ؟؟) غص في الكلمات فلم يجد لها مخرج ... بات يناظر القمر يرجوه الاجابه ...رفعت رأسها تنظر إليه و تصرخ : ( لماذا " شاهين " لماذا لم تخبرني ؟ لماذا لم تصارحني ؟ ) حاول مقاطعتها و تبرير موقفه حين ناداها : ( "لميس ")
لكنها تابعت : ( لماذا ؟ لماذا عدت ؟ لماذا طرقت بابي ؟ لماذا انت هنا الان ؟لماذا تفعل كل هذا ؟بعد كل تلك السنين ؟ لماذا ؟ ) ...
قال بهدوء : ( لأني أحبك !! ) قالت : ( لا ! لا أنت تحب نفسك ...
كنت خائف على قلبك أن ينكسر لكنك لم تخف على قلبي ..)
قالها و قد علا صوته : ( كنت أحاول في كل مرة أراكي فيها مصارحتك
لكني لم أستطع كنتي ي كل مرة تحسسيني إنني صديق ..صديق فقط ! )
قالت و قد نهضت من مكانها : ( ماذا تريد الان ؟ لماذا عدت ؟ لتحطمني من جديد ؟) قال : ( بل لاعود إليك من جديد ! لنعيد أيامنا من جديد ! لتكونين لي و أكون لك )
ابتسمت و ادلموع تنهار على وجنتيها : ( نعود ؟ اتعلم كم من السنين
قد مضى و انت في كهفك المهجور ؟ أتعلم كيف أصبحنا ؟ أسأل مرآتك لتقول لك كم عدد تلك الشعيرات البيض التي تغزو رأسك ! و اسألني العودة لاجيبك بأنني الان زوجه لرجل آخر غيرك ! أتعتقد بأنه من السهوله أن تكسر قلبا و تتجاهله سنين ثم في وقت أنت تختاره تعود لتصلح ماقمت بكسره ؟؟هل الامر بتلك البساطة ؟ شئ أكيد لا ! ليس ببساطة نطق كلمة " نعود " إطلاقا !! )
قال لها و كله رجاء : ( صدقيني اعتذر لك و سأقوم باصلاح كل ماقمت
بإفساده !! )
قالت : ( اعذرني أيها الحبيب لقد تركتني أعاني ألم الانكسار وحدي سنين طوال و كانه الخبيث يسري في عروقي و غنني على وشك الانتحار !
و الان أنا زوجه رجل آخر ربما لم يكن يعني لي شيئا لكنه الان زوجي
و والد طفلي القادم .... عد من حيث جئت فلم يعد لك حب في قلبي ) !!

همت " لميس" بالمغادرة و عيناها تذرفان الدمع على جرح قديم ازداد
اتساعا بعودة " شاهين " ..
بات " شاهين " يضع يديه على رأسه و قد دمعت عيناه ندما على حب أضاعه
بيده و بقرار سريع منه ...
تقدمت والده " لميس " و قالت له : ( اعلم يابني باننا نخيط القماش
حسب اختيارنا و أذواقنا و قياساتنا لكننا لا نخيط الاحداث بل القدر
يخيطها رغما عنا ..)!!


Make a Free Website with Yola.